الاثنين، 25 أبريل 2011

ثوار مصر .. وانهيار إٍسرائيل!


ثوار مصر .. وانهيار إٍسرائيل!


ليس صحيحا أن الخاسر الوحيد من الثورة المصرية والثورات العربية هو الأنظمة الاستبدادية فقط، بل إن الخاسرين هم إسرائيل والغرب الاستعماري في الأساس!، لأن تلك الأنظمة التي كانت تبدو مخيفة جدا، وهي في حقيقتها ورق، لم تكن أكثر من عرائس متحركة، أما الخيوط فكانت من خلف ستار - أو حتى بدون ستار - في يد أمريكا وإسرائيل!

وإسرائيل تحديدا أكثر من أي أحد، تكره كره التحريم، أن تقوم أية ديمقراطية في الوطن العربي، فهي تدرك بحسها الأمني أن الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، وفي مصر خاصة لديه كره وعداء في "جيناته" الوراثية ضد إٍسرائيل!، وأن المصري خاصة والعربي عموما لديه تعاطف جارف مع الأشقاء في فلسطين، ولديه حنين يمس الوجدان لاستعادة المقدسات العربية سواء كانت إسلامية كالمسجد الأقصى، أو مسيحية ككنيسة القيامة. بتاريخ ١٩ أكتوبر ٢٠٠٩ - قبل الثورات العربية - نشرت جريدة هاآرتس الإسرائيلية مقالا للكاتب يوآف برومر تحت عنوان "الديمقراطية .. مشكلة"، وأهم ما جاء فيه أن انتشار الديمقراطية في الشرق الأوسط يمثل مشكلة لإسرائيل، لأن إسرائيل - كما يقول برومر - تبرم معاهدات سلام مع نظم غير ديمقراطية، وتلك النظم تستخدم أدوات القمع ضد المعارضين لهذه الاتفاقيات. تحليل برومر صحيح جدا، والدليل أنه بمجرد انهيار النظام الأمني البوليسي في مصر، ثم حدوث مناوشات إسرائيلية ضد قطاع غزة، اندفعت الجماهير المصرية بالآلاف في مظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة (٨ إبريل ٢٠١١م)، وتلك المظاهرة هي الأولى أمام السفارة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في عام ١٩٧٩م، والدلالة واضحة جدا، أن الشعب المصري - بطبيعة التكوين - ضد إٍسرائيل ويقف مع كل ما هو عربي وإسلامي، لكن صمته على وجود سفارة لإسرائيل أكثر من ٣٠ عاما لم يكن معناه القبول بها، بل كان هذا الصمت تحت البطش الأمني لنظام عميل لإسرائيل وأمريكا من أجل ضمان بقائه على كرسي السلطة وعلى رقاب المصريين، الأمر الهام في مظاهرة ٨ إبريل أمام السفارة الإسرائيلية أنها لم "تندد" و"تشجب" العدوان الإسرائيلي على غزة، كما هي اللغة العربية الرسمية منذ عقود، لكن كانت الهتافات "الشعب يريد إسقاط كامب ديفيد"، "الشعب يريد إسقاط إسرائيل"، وطالبت بقطع العلاقات مع إسرائيل وطرد السفير، الأمر الذي سبب ذعرا إسرائيليا كبيرا أدى إلى توقف الغارات على غزة، وهنا المفارقة، ففي عام ٢٠٠٨م مع عملية الرصاص المصبوب قتلت إسرائيل أكثر من ١٥٠٠ شهيد في غزة، لكنها كانت مطمئنة أن النظام المصري بقيادة مبارك يمثل ركيزة لها، داعم للمجهود الحربي الإسرائيلي، فإسرائيل تقتل، ومبارك يحاصر، ويمنع دخول المصابين مصر للعلاج، ويمنع دخول الأدوية للقطاع، بل إن قرار الحرب أعلن في القاهرة!، بعد لقاء وزيرة الخارجية الإسرائيلية وقتها تسيبي ليفني مع مبارك وأحمد أبو الغيط الذي أمسك يدها على السلالم خوفا من سقوطها!، الفرق أن توجهات مصر الآن تراعي مكانة مصر ودورها، ورغبة شعبها وإرادته الحرة. ستجد تصريحات نبيل العربي وزير خارجية مصر بعد الثورة قاطعة وحازمة، مثل أن مصر لن تقبل بالعدوان الإسرائيلي على غزة!، وهذه لغة لم تعتد عليها إسرائيل من الدبلوماسية المصرية في عهد مبارك!
وخدمات نظام مبارك لإسرائيل وأمريكا لا تعد ولا تحصى!، فمن الصمت على اجتياح بيروت عام ١٩٨٢م، إلى السماح بمرور القوات الأمريكية (طائرات وبوارج) من المجال الجوي والمياه الإقليمية في حرب احتلال العراق ٢٠٠٣م، إلى حصار غزة لمصلحة إٍسرائيل، وتصدير الغاز لإسرائيل الذي يمثل ٤٠% من استهلاكها بسعر أقل من سعر التكلفة، مما دفع بنيامين بن آلي عاذر - ومعه حق - لوصف مبارك بأنه كنز إسرائيل الاستراتيجي!، الآن قد فقدت إسرائيل الكنز، وإزيح عنها الغطاء بالثورة فانشكفت منها العورة!، وباتت إسرائيل في مهب الريح من الثورات العربية، ومن الثورة المصرية تحديدا!

وهزيمة إسرائيل في الثورة المصرية ليس مجازا أو من مبالغات اللغة، ولا تمنيات وأضغاث أحلام، بل واقعا ملموسا بحسابات أجهزة المخابرات وباعتراف الإسرائيلين أنفسهم، فقد كتب أريك بندر في جريدة معاريف الإسرائيلية (٣١ يناير ٢٠١١م) أن عددا من أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست طالبوا بالتحقيق في (الفشل) الجديد للأجهزة الاستخبراتية الإسرائيلية بسبب عدم توقع الثورة في مصر، وعدم القدرة على الحفاظ على نظام مبارك!، حيث كان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان) أفيف كوخافي أكد قبل أسبوع فقط من الثورة أن النظام في مصر مستقر، والآن يشعر الصهاينة بالخطر الرهيب، فأجهزتهم المخابراتية أكدت لهم أن الوضع في مصر تحت السيطرة تماما، وعاشوا جميعا في هذا الحلم الوردي عقودا من الزمن، بل بلغ الغرور بهم أن قال رئيس المخابرات الإسرائيلية السابق - قبل الثورة - أنه تمكن من اختراق المجتمع المصري بالكامل، وزرع الفتن الطائفية، وفعل كل الأفاعيل، إلا أن الثورة جاءت كاشفة عن فشل كبير وصفته أجهزة الإعلام الإسرائيلية بأنه يوازي الفشل في حرب ١٩٧٣م!، فإذا بالشعب المصري يكشف عن عظمته الأسطورية كما يفعل دائما في دراما التاريخ، ويسحق مبارك، وأجهزته القمعية بقنابلها المسيلة للدموع الأمريكية الصنع، ويهزم أمريكا وإسرائيل يوم هزم مبارك!، وإذا بالإسرائيلين يشعرون بحرارة الصفعة على القفا، ثم يظنون أن الشعب المصري مثقل بمشاكله، ويحاولون ضرب غزة للمرة الثانية - على غرار 2008م - إلا أن ثوار مصر بمظاهرتهم أمام السفارة، ثم بيان الخارجية المصرية يقذف في قلوب الصهاينة الرعب، وتتغير موازين اللعبة تماما، وتتبدل معادلات الصراع، موتوا بغيظكم، فإن مصر الآن قد عادت!


اتهمنا البعض بالجنون حين قلنا قبل الثورة المصرية أن النظام في مصر سيسقط بثورة شعبية، وبالعصيان المدني، وهو ما حدث!، وقد يتهمنا البعض الآن بالجنون حينما نقول إن إسرائيل تقترب من نهايتها!، فمصر الآن تستعيد مكانتها ككقائد للأمة العربية وللعالم الإسلامي، وكلا من رمسيس الثاني، وتحتمس الثالث، وصلاح الدين الأيوبي، وقطز، ومحمد علي، وجمال عبدالناصر، قد أدركوا جميعا أن البوابة الشرقية - حيث فلسطين - هي محور الأمن القومي المصري، والمعادلة الآن في الصراع العربي الإسرائيلي تغيرت تماما، من نظام عميل، إلى ثوار أحرار .. وطالما في مصر ثوار، فإن إسرائيل إلى انهيار!

الثلاثاء، 19 أبريل 2011

خطوط عريضة في مرحلة البناء


خطوط عريضة في مرحلة البناء


الثورة هدم نظام فاسد، وبناء نظام واعد، وقد اقتربت نهاية مرحلة الهدم، و"الرئيس المخلوع" بات "الرئيس المحبوس"، وكذلك كبار حاشيته طيور الظلام، سارقي المال العام، عملاء الأعداء، وقاتلي الشهداء، وحزب الرئيس المخلوع قد ذهب معه إلى مزبلة التاريخ، واتخذ شعار "سجن طرة من أجلك أنت!"، ولم يتبقى من عملية الهدم سوى بعض الكنس والتنظيف، ورفع المهملات، التي لا تعيق البدء فورا في عملية بناء واسعة، بنفس عزيمة الثوار، وبروح ميدان التحرير.

ولأن النظام البائد ترك لنا بلدا ليس في مشكلة، بل في مأساة!، بلدا كان هو قلب التاريخ، فجعله نظام مبارك خارج التاريخ لمدة ثلاث عقود عجاف، ٣٠ سنة سوداء كقرن الخروب!، فإن عملية البناء لابد أن تكون في ثلاث محاور متوازية، وبنفس السرعة، والدقة والإنجاز، كم هي مهمة شاقة!، لكن هذا الشعب قادر دائما على صنع المعجزات، ومن أول أهرام الفراعنة، إلى سحق العدو الصهيوني في ١٩٧٣م، إلى طرد العدو المباركي في ٢٠١١م، تتضح عظمة المصريين.

المحور الأول: النظام السياسي والتحول الديمقراطي

أول إصلاحات النظام السياسي هو التحول في النظام الانتخابي من النظام الفردي إلى نظام القائمة النسبية غير المشروطة، فالنظام الفردي - المعمول به حاليا - يعتمد على العصبيات، ويغذي استخدام البلطجة والمال، اما  نظام القائمة النسبية يضمن أن يعود البرلمان إلى دوره السياسي والتشريعي والرقابي، لا أن يصبح نائب البرلمان محصورا في قضايا من نوعية حفر ترع، وبناء كوبري للمشاة!، أيضا نحتاج إلى تغيرات في قوانين مجلس الشعب ومباشرة الحقوق السياسية، ليُُـسمح للشباب بالترشح في البرلمان من سن ٢٥ سنة، فالشباب المصري أثبت أنه يستحق مكانة رفيعة في مرحلة بناء الوطن بعد تلك الثورة العظيمة، وكذلك ينبغي أن نخفض سن التصويت في الانتخابات والاستفتاءات من ١٨ إلى ١٦ سنة، أي أن كل من يمتلك بطاقة رقم قومي يصبح له الحق في الإدلاء بصوته، ويصبح له الحق في تقرير مصير بلاده، فالشباب هم عماد الوطن ومستقبله، كذلك لا يجوز على الإطلاق حرمان المصريين المقيمين في الخارج من الحق في التصويت، وينبغي فورا وضع تشريع ينظم تصويتهم في كل بلدان العالم المتواجد بها جاليات مصرية، وتأمين وصول أصواتهم للجنة الانتخابات في مصر، ومن الأعداد الهائلة التي شاركت في الاستفتاء الأخير على تعديل الدستور يتضح استحالة إجراء اي انتخابات سواء برلمانية أو رئاسية في يوم واحد، ولابد من وضع مراحل على ثلاث أيام حتى نضمن أن تتم الانتخابات بيسر وسلاسة، ونضمن تحقيق أكبر قدر من الرقابة القضائية، ومن المجتمع المدني في كل الجمهورية في الخارج.

المحور الثاني: المجال الاقتصادي والعدالة الاجتماعية

لا يمكن إنجاز تحول ديمقراطي بشكل حقيقي في مصر إلا إذا حققنا عدالة اجتماعية تضمن أن يشعر المواطن بكرامته، وتجعله قادرا أن يكون صوته في الانتخابات غير قابل للتأثير عليه بالمال أو المصالح، مصر بحاجة إلى البدء فورا في عملية إصلاح واسعة لهيكل الأجور والمعاشات، بما يضمن حد أدنى للأجور، وحد أقصى لمنع التفاوت الرهيب بين الطبقات، وأن تتبنى مصر مشروعات قومية كبرى كثيفة العمالة على غرار الصين، تنهض تلك المشروعات بالاقتصاد القومي، وفي نفس الوقت توفر فرص عمل، نحتاج إلى تطوير طابع انتاجي للاقتصاد، قائم على التصنيع، بدلا  من الاقتصاد الريعي الطفيلي المعتمد أساسا على موارد قناة السويس والسياحة والمعونات الأجنبية!، مصر لديها الكثير من الموارد البشرية والطبيعية تؤهلها لتكون بلدا صناعيا زراعيا عملاقا، وبوجود إرادة سياسية قوية، مع تضامن شعبي واسع يستلهم روح ميدان التحرير في البناء والتطوير، فإن مصر ستكون في خلال ١٠ سنوات فقط قوة اقتصادية مهمة ذات تأثير واسع في المحيط العربي والإقليمي والدولي أيضا.

المحور الثالث: الدور العربي والإقليمي والسياسة الخارجية

"مصر أهم بلد في الدنيا"، هذه الكلمة قالها أحد المستعمرين حينما جهز جيوشه لاحتلاها!، هو نابليون بونابرت، على مر التاريخ عرف أعداء مصر قيمتها، ربما أكثر من أهلها!، ولأن مصر ذات دور بالغ التأثير في أمتها العربية والعالم الإسلامي، ومحيطها الأقليمي، فإن استعادة نهضتها بكل تأكيد لن يرضي قوى الغرب وأمريكا وإسرائيل، وعلينا أن نعي أن العالم لا تقف حدوده عند أوروبا وأمريكا، فعودة مصر إلى دورها العربي القومي، ودورها كقائد لأمتها العربية وللعالم الإسلامي أمر بالغ الأهمية، كذلك بناء تحالف على غرار كتلة عدم الانحياز كما فعل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، نحن بحاجة إلى تحالف عربي، وإقليمي من دول الجوار مثل إيران وتركيا، وكذلك تحالف دولي يمتد من فنزويلا والبرازيل وتشيلي، إلى الصين والهند وماليزيا، تكون مصر ذات دور في الفعل الدولي، وليس رد فعل لسياسيات الغرب، وخادم مطيع لمصالح أمريكا وإسرائيل كما فعل النظام البائد للحفاظ  على كرسيه، ومن الإجمال إلى التحديد، ينبغي على مصر أن تقوي علاقاتها بشكل عميق بالسودان على المستوى العربي، لاعتبارات كثيرة ليس فقط من أجل مياه النيل شريان الحياة في مصر، لكن أيضا اعتبارات الأمن القومي المصري اقتصاديا وسياسيا تحتم علينا تكامل مع السودان التي كانت معظم فترات التاريخ جزءا من مصر!، كذلك بناء علاقات قوية وعميقة مع إيران وتركيا لدعم جبهة صمود في وجه تمدد السياسية الإسرائيلية بالخطر على مصر عند منابع النيل، ودعم قضية فلسطين التي هي قضية ذات أهمية قصوى للأمن القومي العربي عموما والمصري خصوصا، فعصر " مبارك كنز إسرائيل الاستراتيجي" على حد تعبير بن آلي عاذر  قد انتهى، فإن كانت إسرائيل تحاول خنق مصر من الجنوب عند منابع النيل، فإن مصر بموقعها الجغرافي، وبتحالف بالطريقة المذكورة قادرة على لي ذراع إسرائيل من الأطراف، والضغط بقوة عليها من القلب!

إن التاريخ يؤكد أن مصر لا تنهض نصف نهضة، مصر دائما كانت إما إمبراطورية كبرى تغير سياسات العالم، من رمسيس الثاني وتحتمس الثالث، إلى صلاح الدين الأيوبي وقطز، ثم محمد علي وجمال عبد الناصر، أو كانت محتلة!، ساهمت قوى الاستعمار بكل قوتها في ضربها لإضعاف دورها الرائد، ومصر اليوم بإزاحة نظام مبارك العميل لأمريكا وإسرائيل في مرحلة تحرر، وفي الطريق للعودة إلى مكانتها الطبيعية، كما قال نابليون بونابرت، مصر أهم بلد في الدنيا!

الثلاثاء، 5 أبريل 2011

إلى المجلس العسكري .. محاكمة مبارك أولا


إلى المجلس العسكري .. محاكمة مبارك أولا

 لن نتوه ونضيع بين غابات ووديان الإعلان الدستوري، ولن نفتح قصته الدرامية حيث استفتانا المجلس العسكري على ٩ مواد، ثم جاءنا من حيث لا ندري ب ٦٢ مادة!، أيضا لا نريد فتح ملف موقعة "الجلابية" في استاد القاهرة، وما صاحبها من تقصير أمني يصل إلى حد المهزلة!، ولا نريد التعليق تفصيلا على انفعالات اللواء ممدوح شاهين - عضو المجلس العسكري - وإهانته للشعب المصري والجيش معا، بقوله "احمدوا ربنا أن الجيش المصري لم يضرب المتظاهرين كما فعل جيش ليبيا"، فالجيش المصري الوطني هو جيش الشعب، ولا يصح - إطلاقا - وضعه في مقارنة مع عصابات القذافي المرتزقة يا سيادة اللواء، في كل ما سبق سنستخدم فسلفة "ما علينا"!، لكن أهم ما يجب طرحه في هذه اللحظة الخطرة من عمر الثورة هو لماذا لم يحاكم مبارك وعائلته إلى الآن؟! .. والسؤال إلى المجلس العسكري.

لقد كانت جمعة "إنقاذ الثورة" ١ إبريل ٢٠١١م حدثا فارقا في عمر ثورتنا المجيدة، حيث عادت جماهير الثورة - وبمقاطعة الإخوان - إلى الاحتشاد بكثافة عالية في ميدان التحرير، حينما شعرت أن هناك خطرا واضحا، وتباطؤا خانقا، يحيطان بأهداف الثورة، وذلك الحدث يعكس وعي وفطنة جماهير الثورة العظيمة، قد بدا يومها الغضب مختلطا بالحيرة، والتساؤل ممتزجا بالريبة، والهتاف مصحوبا بالمرارة .. وكان السؤال لماذا لم تحاكموا مبارك إلى الآن؟!

ومع غضب جماهير الثورة، غاب لأول مرة منذ ٢٩ يناير ٢٠١١م شعار "الجيش والشعب إيد واحدة"، بل وصل الأمر أن هتف بعض الجماهير في جمعة "إنقاذ الثورة" ضد المجلس العسكري، ونعته بعضا آخر بالتواطؤ، ووصلت الأمور إلى هتافات تمس المشير طنطاوي، أقلها تطالبه بالاختيار "يا مشير عليك تختار .. بين الفاسد والأحرار"!
نحن اليوم أمام منعطف خطير للثورة المصرية، فبحكم قوانين الفيزياء، وقواعد الطبيعة، شغل الجيش فراغ تنحي الرئيس يوم ١١ فبراير، وتحت حرارة الأحداث وظروف الأمر الواقع، على أساس واضح أعلنه المجلس العسكري في بياناته الأولى، حيث قال أنه حامي الثورة، وأيضا قوله أنه - أي المجلس - ليس بديلا عن شرعية الشعب، إلا أنه حدثت أخطاء أخذت تسحب من ذلك الرصيد الكبير جدا لديه عند جماهير الثورة، بدأت بالاعتداء على المعتصمين في ميدان التحرير، مطالبين بإقالة حكومة أحمد شفيق التي عينها الرئيس المخلوع، وقد أصدر بعدها المجلس بيانا حمل عنوان "نعتذر ورصيدنا لديكم يسمح"، أثلجت تلك اللغة الرقيقة صدور الثوار، وعادت الأمور إلى طبيعتها، واستمر شعار "الجيش والشعب إيد واحدة" ساطعا في سماء الثورة، ثم حدث اعتداء آخر للشرطة العسكرية على الطلاب المعتصمين سلميا في كلية الإعلام جامعة القاهرة، مطالبين بإقالة عميد الكلية د. سامي عبدالعزيز عضو لجنة السياسات في حزب الرئيس المخلوع، ثم كانت تصريحات اللواء ممدوح شاهين التي استفزت جماهير الثورة بشكل كبير.

أخطر ما في الأمر هو ذلك التباطؤ الغير مفهوم، والغير مبرر في محاكمة الرئيس المخلوع وعائلته، نحن لسنا أمام سارق بنك، بل سارق بلد، ليس قاتلا عاديا، بل سفاح قتل شهداء الثورة، واحترف القتل طيلة عهده الأسود بالمبيدات المسرطنة، والقطارات المحترقة، والعبارات الغارقة، وببطش التعذيب لأجهزته الأمنية الوحشية كما حدث مع خالد سعيد وسيد بلال، ثم أخذ "يستجم" في شرم الشيخ دون أن يمسسه أحد!، ولا هو ولا رجاله المقربين زكريا عزمي، وصفوت الشريف، وفتحي سرور، وما حدث معهم من توجيه اتهامات وخلافه حدث بعد جمعة "إنقاذ الثورة" ومشهد الغضب الصارخ فيها، وحتى كتابة هذه السطور لم يلقى القبض عليهم أو على أحدهم!

تتردد أنباء أن هناك ضغوطا داخلية وخارجية تحول دون محاكمة مبارك، ونحن نقول بوضوح للمجلس العسكري أخبرونا بالحقيقة، صارحوا الشعب بكل شئ، الآن وليس غدا، واعلموا أن هذا الشعب العظيم ويده في يد جيشه الوطني أقوى من أي قوى داخلية أو خارجية، مهما كانت!
يجب أن يعلم المجلس العسكري أن ثقتنا بالجيش المصري بلا حدود، وأننا أشد الناس حرصا على شعار "الشعب والجيش إيد واحدة"، لكننا يجب أن نعترف أن هناك توترا ظهر في العلاقة بين المجلس العسكري وجماهير الثورة، والكرة الآن في ملعب المجلس العسكري، صارحونا بالحقيقة لماذا هذا التباطؤ في محاكمة مبارك؟!، صارحونا وانقذوا شعار الشعب والجيش إيد واحدة، وقبل الشعار انقذوا مصر الغاضبة!