الاثنين، 21 مارس 2011

إلى المجلس العسكري أتحدث


إلى المجلس العسكري أتحدث

هناك لحظات في عمر الأوطان تعيد صياغة تاريخها، وهناك مواقف لرجال في تلك اللحظات التاريخية تضعهم في قلب التاريخ، وفي وجدان الأمة!

نعلم - كشباب ثورة ٢٥ يناير - أن الجيش المصري قد لعب دورا محوريا بالغ الأهمية والتأثير في تلك الثورة، فقد بدت الأمور قبل تنحي الرئيس المخلوع تسير في اتجاه الجيش بحكم قوانين الفيزياء، ومعادلات الطبيعة، فحرارة الأحداث تدفع بشكل تلقائي الجيش المصري إلى ملئ فراغ تنحي الرئيس، ولم يكن أحد - مهما كان - يقدر أن يندفع لملئ هذا الفراغ سوى رجال القوات المسلحة. قد كان ذلك الأمر طبيعيا جدا، وثوريا جدا أيضا!، فالشعب الثائر في ميدان التحرير، عانق إخوانه وأهله ضباط وجنود الجيش حينما نزلوا إلى الميدان، ودوت الهتافات من كل حدب وصوب "الجيش والشعب إيد واحدة". 

نعلم أيضا - ونعي ذلك جيدا - أنه حدثت عمدا محاولات بائسة من قبل فلول النظام البائد للوقيعة بين الثورة والجيش، إلا أن الطرفين كانا أذكى مما قد يفسد تلك العلاقة المتميزة.

كان ما سبق مقدمة واجبة للدخول في صلب ما أريد طرحه من تساؤلات في صدري، وأعتقد أنها تشغل فكر الكثير من شباب هذا الوطن الحالمين بمصر جديدة بعد ثورة مجيدة!

أول ما أريد أن أتساءل بشأنه إلى المجلس العسكري هو ذلك التباطؤ الغير مفهوم في محاكمة الرئيس المخلوع وعائلته، وجماعة المماليك المقربين منه، أمثال زكريا عزمي وصفوت الشريف وفتحي سرور، فهذه المجموعة وعلى رأسها مبارك الأب ومبارك الابن وباقي أفراد الحاشية متورطون في قضايا فساد تزكم الأنوف، وتصلنا يوميا ركام من الوثائق  تثبت حسابات بنكية هنا وهنك، ومليارات داخلة وأخرى خارجة، وذهب أبيض وذهب أصفر، وعقود بترول وعقود غاز، وأرضي وشاليهات وطائرات، وعلى كل شكل ولون مما تشتهي الأنفس، وما خطر على قلب بشر!
علاوة على ذلك أن بين الشعب المصري وثورته المجيدة من جهة، وبين مبارك والعائلة والحاشية من جهة أخرى دم شهداء غطى تراب الوطن، وقد نشرت جريدة الشروق المصرية نص تحقيقات النيابة مع وزير داخلية مبارك حبيب العادلي الذي اتهم فيها الرئيس المخلوع بكل شئ، وطلب استدعائه للتحقيق في قضايا قتل شهداء الثورة!، لكن لم يتحرك أحد، وما حدث حتى الآن أن وافقت المحكمة على تجميد الأرصدة والمنع من السفر، بينما يسكن مبارك في شرم الشيخ مطلا على البحر، وعلى علم "إسرائيل" المجاورة له، وكأنه في استجمام نهاية الخدمة، بينما يغلي دم الشهيد، وتلهبنا حرارة دموع أمهات الشهداء منتظرات أن يجدن القاتل قي قفص الاتهام، بينما ينطق الحاجب بصوته الجهوري: "محكمة"!، نحن لا نطلب المستحيل، ولا نغالي فيما نقول، كل الحكاية أننا نطلب القصاص .. ممن ضربونا بالرصاص!

الأمر الثاني مما يجول في خاطري هو دور الجهاز الجديد - بديل أمن الدولة - المسمى "جهاز الأمن الوطني"، لقد كتبت سابقا مطالبا بحل جهاز أمن الدولة لما يمثله من سمعة سيئة في أذهان المصريين، من انتهاك الكرامة الانسانية، للتعذيب، والقتل، والاختفاء القسري، حتى التصنت والتجسس على الحياة الخاصة للمواطنين، وقلت وأقول من جديد أن مصر لا تحتاج إلى جهاز أمني آخر، فمكافحة أنشطة التجسس والإرهاب يقوم بها جهاز الأمن القومي التابع للمخابرات العامة على أكمل وجه، وبدقة وحرفية عالية جدا، أما وقد حدث بالفعل أن أصبح لدينا جهازا أمنيا آخر - الأمن الوطني - قيل لنا أن مهمته ستقتصر على مكافحة الإرهاب والتجسس، فإننا نريد أن تتحدد اختصاصاته وصلاحياته بصرامة، وألا يكون لذلك الجهاز أي دخل من قريب أو من بعيد لمتابعة النشاط السياسي للمواطنين، كما نطالب أن يستبعد كل من تورط في عمليات تعذيب بجهاز أمن الدولة المنحل، وألا يكون له مكان في الجهاز الجديد "الأمن الوطني".

الأمر الثالث هو إعادة هيكلة الإعلام المملوك للدولة، فلا يعقل أن تقوم في مصر تلك الثورة العظيمة، فيهاجمها أبواق النظام متهمين شبابها بتنفيذ "أجندات" أجنبية، وتلقي تمويلات خارجية، واعتبارهم مجموعة من العملاء، ثم تنتصر الثورة وتزيح رأس النظام بتكلفة دم شهدائها، دون أن تتم إزاحة تلك الأبواق!، لا أفهم ويشاركني الكثيرين كيف يبقى حتى الآن أمثال أسامة سرايا وعبدالله كمال في أماكنهم، لا أفهم كيف يبقى رئيس قطاع الأخبار ورؤساء القنوات في التلفزيون الرسمي، وكأن ثورة لم تحدث هاجموها بكل ما أمتلكوا من قوة!، الأمر لا يحتاج أكثر من مجرد قرار يصدر عن المجلس العسكري بإقالة هؤلاء، بل والتحقيق معهم في عمليات تزييف الوعي العام التي مارسوها، وقضايا الفساد التي تحيط بأكثرهم إن لم يكن كلهم، ولولا أني إذا قررت ذكر قضايا الفساد تلك ربما أحتاج لقرض من البنك الدولي لشراء أوراق وحبر من كثرتها لكنت ذكرتها!

الأمر الأخير يتعلق بالقوانين المكملة للتعديلات الدستورية، فقد نشرت جريدة الأهرام عدد الإثنين ٢١ مارس مشروعات لقوانين مثل مباشرة الحقوق السياسية، وقانون الأحزاب، وقانون انتخابات الرئاسة، لكن حتى الآن يبدو أن القانون المنظم لمجلس الشعب وطبيعة تكوينه لم يطرأ عليه تغيير، وهذا الامر خطير للغاية، حيث أن البرلمان القادم يحمل على عاتقه مهمة تاريخية جليلة، وهي اختيار لجنة صياغة الدستور الجديد، ومن غير المعقول أن يتم انتخابه وفق نفس النظام الفردي، وذلك النظام يغذي العصبيات القبلية ويلعب المال والبلطجة دور كبير في انتخاباته، واقتراحنا المحدد أن يكون نظام انتخاب مجلسي الشعب والشورى بالقائمة النسبية غير المشروطة، حتى يتحول البرلمان إلى دوره  التشريعي والرقابي الطبيعي لا إلى مركز خدمات لدوائر نوابه.

نعلم جيدا أن المسؤولية على عاتق المجلس العسكري خطيرة، ولفرط خطورتها نتحدث إليه مباشرة دون غيره، فما سبق إذا تحقق تدخل مصر عصرا جديدا بالفعل، ويصبح الجيش المصري على موعد جديد مع القدر، ليلعب دورا تاريخيا يضاف إلى دوره الذهبي  في الثورة حين رفض إطلاق النار على الثوار، ثم آلت إليه مقادير البلاد في لحظة من أهم لحظات التاريخ!

الثلاثاء، 8 مارس 2011

يوم أسقطنا السلخانة!

يوم أسقطنا السلخانة!



هذه قصة يوم من أنبل وأهم أيام الثورة المصرية المجيدة، ثورة 25 يناير التي تحقق – بحمد الله وتوفيقه – كل يوم انتصارا جديدا يضاف إلى سجلها بحروف من نور، ففي يوم الجمعة 4 مارس 2011م، جاء رئيس الوزراء د. عصام شرف إلى ميدان التحرير، وقال مخاطبا الثوار: "استمد شرعيتي منكم .. أنتم أصحاب الشرعية"، فالشعب أراد إسقاط مبارك فسقط، والشعب أراد إسقاط شفيق فسقط، والشعب أراد إسقاط أمن الدولة .. وكلما أراد الشعب دائما يستجيب القدر.

*ملحوظة قبل البدء: السلخانة في قواميس النشطاء السياسيين هي تعريف لمقر أمن الدولة الرئيسي بمدينة نصر، وسمي بالسلخانة لشدة التعذيب والترهيب التي تتم بداخله.

بعد يوم الجمعة 4 مارس شعرت بإرهاق شديد، فقررت أن آخذ يومين راحة تامة، بعيدا عن أي اجتماعات أو تظاهرات لإحساسي بالنصر بعد إسقاط حكومة أحمد شفيق التي عينها الرئيس المخلوع، وبإرادتنا – نحن الثوار – جاءت حكومة د. عصام شرف مؤكدة أن الشرعية للثورة، كنت قررت الراحة يوم السبت 5 مارس 2011م إلا أنني كنت على موعد مع أحد أهم أيام الثورة!

كنت أتناول طعام الغذاء في أحد مطاعم وسط البلد حين جاءني اتصال تليفوني من ضياء الصاوي عضو اللجنة التنسيقية لحركة كفاية على النحو التالي:

ضياء: عرفت اللي حصل في أمن الدولة؟!

محمد: طبعا في اسكندرية ...

ضياء مقاطعا: اسكندرية إيه إنت قديم جدا .. أنا أقصد مدينة نصر .. السلخانة!

محمد: إيه؟! .. الثوار حاصروا السلخانة؟!!

ضياء: حاصروا؟! .. لا يا سيدي .. الثوار اقتحموا السلخانة منذ قليل والمكان تحت سيطرتهم.

محمد : الله أكبر .. الله أكبر .. نتقابل ونتجه إلى هناك.

هممت بالانصراف متجها إلى مقر جهاز أمن الدولة بمدينة نصر، إلا أنه جاءني اتصال آخر من أ. شيرين المنيري نائب مدير تحرير جريدة الأهرام على النحو التالي:

محمد: مساء الخير يا أستاذة .. أكيد إنت في أمن الدولة!

شيرين: فعلا .. واللجنة الشعبية في 6 أكتوبر متواجدة وكله تمام ..

محمد: 6 أكتوبر؟! .. أنا أتحدث عن المقر الرئيسي .. مدينة نصر

شيرين: ماله؟!

محمد: متعرفيش؟! .. المقر وقع تحت سيطرة الثوار .. دخلوه منذ قليل

شيرين: بجد؟! .. الحمد لله! .. أنا بكلمك من أمام مقر أمن الدولة ب 6 أكتوبر .. الثوار حاصروه

ثم مخاطبة الثوار بجانبها، "يا جماعة .. الثوار سيطروا على مقر أمن الدولة الرئيسي بمدينة نصر"

اسمع هتفات .. الله أكبر .. الله أكبر

***

وصلنا إلى مقر السلخانة، وجدنا الآلاف من الجماهير الثائرة تحاصر البوابات الرئيسية، تهتف ضد أمن الدولة، ندخل من باب جانبي، أنظر حولي مذهولا، نحن داخل السلخانة!!، نتجول بحريتنا، يا إلهي .. إحساس لا يوصف، أسمع أحدهم يقول :"هنا غرف التعذيب"، آخر يرد:"لقد صعقوني بالكهرباء هنا"، ثالث يدخل في الحوار، "هل رأيتم الزنازين"، نتجه جميعا إلى الزنازين الرهيبة، تلك الأماكن التي مورس فيها أبشع أنواع انتهاكات الكرامة الإنسانية، وجدناها خالية لكن جدرانها مازالت تختزن صرخات الألم، وأصوات الغاضبين، الزنزانة الانفرادية عبارة عن جدران اسمنتية بها "مصطبة" مصمتة من الأسمنت أيضا للنوم، وحمام بلدي بجانبها مباشرة، مكان النوم لا يفصله عن مكان قضاء الحاجة سوى نصف متر أو أقل!!، أخبرني أحدهم أنه كان في نفس الزنزانةالتي نشاهدها الآن، وأن الصراصير كانت تخرج من مكان قضاء الحاجة عليهم، لكنه استدرك، كان هذا شئ بسيط جدا بالقياس مع التعذيب البشع الذي كنا نلاقيه هنا!، جاء آخر قائلا لقد كانوا يجبرون المعتقلين على الدوران حول صورة الرئيس المخلوع مرددين لبيك اللهم لبيك!!

"لا تعذيب بعد اليوم .. الحرية .. الحرية"، يهتف شخص بدت عليه علامات سعادة غير عادية، ثم تتعالى الهتافات "يا ثوار يا ثوار .. أمن الدولة خلاص انهار"، "الله أكبر .. الله أكبر .. الشعب خلاص أسقط أمن الدولة"

وصلت قوات الجيش إلى المكان، فتعالى هتاف الجماهير "الجيش والشعب إيد واحدة"،وتصفيق حاد لضباط الجيش الذين بدأوا في تنظيم الحراسة حول الأماكن التي بها وثائق، وقام جميع الشباب بتسليم الوثائق التي عثرنا عليها إلى الجيش، وجدنا عربات ترحيلات بها آلاف الوثائق، كانت فيما يبدو في طريقها للتهريب، حاصر الثوار العربات الفارغة من ضباط الداخلية، جاء لواء من الشرطة العسكرية خاطب الشباب باحترام بالغ، وطلب منهم مغادرةالمكان حتى يتمكن الجيش من حماية المقر، توجهت إليه وقلت:" يا سيادة اللواء .. اعتبرنا جنودك، واعطنا أوامر، سنساعدك في حماية المكان بدمائنا، لكننا لن نترك المكان حتى تأتي النيابة العامة بنفسها"، وافق الثوار ورددوا جميعا منتظرين النيابة وشاركوا الجيش في تأمين المكان والوثائق.

خرجنا لنبقى أمام البوبات الرئيسية بعد وصول النيابة لمعاينة المكان، ثم انتبهنا أن كل بوابة عليها علمان، الأول علم مصر، والثاني علم وزارة الداخلية، صعد الثوار إلى سارية العلم الخاص بوزارة الداخلية، وأنزلوا العلم، تعالت الصيحات الله أكبر، يسقط يسقط أمن الدولة، الشعب خلاص أسقط أمن الدولة، مزق الثوار علم الداخلية، وهكذا فعلنا في كل الأعلام على جميع البوابات، حتى أنني احتفظت بقطعة من علم الداخلية الممزق المرفوع سابقا على أكبر جهاز للرعب في مصر!

هذا المقر، السلخانة، الذي كان سابقا يرعب الملايين، يراقبهم أطراف الليل وآناء النهار، أمن الدولة الذي كان يتحكم في كل كبيرة وصغيرة، يعين القيادات في كل مكان، في الإعلام، الوزارات، الجامعات، حتى تلميع فنانين بعينهم لقربهم من النظام البائد، سقط أمن الدولة، كما سقط مبارك، وأي محاولة للالتفاف على مطلب الجماهير بحله، ستكون فاشلة ككل المحاولات السابقة البائسة للاتفاف على أهداف الثورة، هذا الجهاز فاسد بالكامل، خدم أمن النظام، وأهدر أمن الدولة، بل كان فوق الدولة!، وإذا كان لابد من مكافحة الإرهاب،وأنشطة التجسس، فهناك جهاز الأمن القومي التابع للمخابرات العامة يقوم بدوره على أكمل وجه.

الشعب يريد حل جهاز أمن الدولة، وعلمتنا الثورة أنه حينما يريد الشعب، دائما يستجيب القدر!