الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

يا أيها المفاوضون .. بئس ما تفعلون!

يا أيها المفاوضون .. بئس ما تفعلون!
عن حقيقة المفاوضات .. والاستيطان .. وشرعية المقاومة

لا أعلم سر انبهارنا نحن العرب بالمسرحيات الكلاسيكية المأساوية للكاتب الكبير وليم شكسبير .. فالانبهار يجب أن يحدث فقط حينما يصادفك شئ جديد عليك .. أما نحن العرب فلدينا الكثير من المسرحيات .. والكثير جدا جدا من المآسي!
  
 في حقيقة المفاوضات:
كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتحفنا بمعزوفة رائعة من سيمفونيات التخدير الأمريكية أثناء خطابه الشهير في جامعة القاهرة. تحدث أوباما عن وقف الاستيطان وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م. دغدغت تلك الكلمات بأسلوبها الرقيق مشاعر البعض لكن وقعت فوق رؤوسهم صخور الواقع!. في ذات الوقت كان رئيس وزراء "إسرائيل" بنيامين نتنياهو – المعروف عنه الدهاء والمراوغة – واضحا جدا!. حيث أعلن أمام منظمة إيباك – أكبر منظمات اللوبي الصهيوني في أمريكا دعما "لإسرائيل" – أن القدس ليست مستوطنة وإنما عاصمة أبدية (لدولة إسرائيل). كانت العبارة السابقة وحدها كفيلة بهدم أي عملية سلام مزعومة. إلا أن نتنياهو – الواضح جدا ما شاء الله – اتخذ قرارات متقدمة جدا في تهويد القدس، فقامت حكومته بضم الحرم الإبراهيمي، ومسجد بلال بن رباح إلى قائمة التراث اليهودي في القدس!!. وتم بناء كنيس الخراب داخل أسوار البلدة القديمة بمقربة من المسجد الأقصى. ثم تمت عدة محاولات من مستوطنين يهود اقتحام المسجد الأقصى تحت حماية من الشرطة "الإسرائيلية". بينما كان وزراء الخارجية العرب يجتمعون في القاهرة ويعلنون الموافقة على مفاوضات غير مباشرة بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، حتى لا يغضب منهم ولي نعمة أنظمتهم في البيت الأبيض!!

وفي موضوع الاستيطان الذي لا أريد أن أقف عنده طويلا لأني سأعود إليه لاحقا بالتفصيل، إلا إنني أقف عند هذه النقاط:

• أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه يشترط وقفا كاملا للاستيطان في الضفة والقدس الشرقية ليوافق على الانتقال إلى مفاوضات مباشرة.
• أعلنت الحكومة "الإسرائيلية" وقفا "جزئيا" للاستيطان في الضفة "فقط" منذ 26 نوفمبر الماضي وحتى 26 سبتمبر الجاري.
• حاول جورج ميتشل المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط، وجو بايدن نائب الرئيس الأمريكي إقناع الحكومة "الاسرائيلية" بوقف الاستيطان في القدس الشرقية قبل المفاوضات. إلا أن الرد "الإسرائيلي" كان عمليا، ففي نفس يوم زيارة ميتشل قامت "إسرائيل" ببناء 112 وحدة استيطانية جديدة في القدس، وفي نفس يوم زيارة بايدن قامت ببناء 1600 وحدة استيطانية جديدة في القدس أيضا!!
• بعدها عبر العرب عن "استيائهم" .. لكنهم قبلوا بالمفاوضات الغير مباشرة!!

وحين بدأت المفاوضات الغير مباشرة التي قررها الراعي الأمريكي لمدة 4 أشهر وما على العرب إلى قول لبيك يا أوباما لبيك. قرر أوباما – على الرغم من فشله في وقف الاستيطان في القدس – الانتقال قبل ال 4 أشهر إلى مفاوضات مباشرة. ولأنه ثبت لدى السيد أوباما أنه كان طيبا زيادة عن اللزوم في المرة الأولى حين اضطر إلى تخدير العرب بسيمفونيته الشهيرة في جامعة القاهرة حتى يقبلوا بالمفاوضات الغير مباشرة، فقد علم جيدا أن الأنظمة العربية – بحكم ضمان وجودها – هي رهينة لإشارة يده كما الجان والهدهد في يد النبي سليمان عليه السلام!. فوجه أوباما هذه المرة تهديدا مباشرا إلى الرئيس أبومازن في رسالة بعثها إليه 17 يوليو الماضي هدده فيها بالعزلة الدولية وقطع الموارد والمساعدات الاقتصادية إذا لم يقبل بالمفاوضات المباشرة. ولأن السيد أبو مازن يمكن أن يفرط في أي شئ إلا "المساعدات الاقتصادية" فإنه قبل بتلك المفاوضات المباشرة بعد كل ما سبق!!
وإذا كانت جامعة الدول المفروض أنها "عربية" قد وفرت غطاءا سياسيا للرئيس أبو مازن في المفاوضات غير المباشرة، فإنه قد أصبح في أمس الحاجة لأي غطاء – حتى لو كان مرقعا – للانتقال إلى المفاوضات المباشرة رغم كل شئ، وبالتهديد الأمريكي له. فقام أبو مازن بدعوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي تضم 19 عضوا إلى اجتماع من أجل الموافقة على المفاوضات المباشرة. فحضر من 19 عضو تسعة أعضاء فقط الاجتماع المزمع وافق 5 منهم على المشاركة في المفاوضات المباشرة. فخرج أبو مازن علينا بشرعية فلسطينية "مزورة" لأنه أخذ موافقة 5 أعضاء فقط من أصل 19 عضوا ليعلن – زورا وبهتانا – أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قد وافقت على الذهاب إلى مفاوضات مباشرة، وكله من أجل عيون "المساعدات الاقتصادية" إياها!!
كذلك أعلن 13 فصيلا فلسطينيا – بمختلف التوجهات – من الإسلاميين كحماس والجهاد، وحتى اليسار الفلسطيني كالجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين رفضهم جميعا تلك المسرحية المسماة المفاوضات. وقاموا بعمل حملة توقيعات في الضفة الغربية من أجل رفض المفاوضات، إلا أن قوات الأمن التابعة لسلطة السيد أبو مازن – وليس إسرائيل – قامت بمنع تلك الحملة بالقوة!!
أما ما قدمه نتنياهو بشأن تلك المفاوضات، فقد تسربت أنباء عن عرض يهدف إلى التوصل إلى إعلان مبادئ شبيه باتفاق أوسلو 1993م. تنسحب إسرائيل بمقتضاه من 90% من الضفة لا تدخل في هذه النسبة القدس، كما يتم إخلاء 50 ألف مستوطن من قلب الضفة. وحقيقة هذا العرض – الخبيث – هو أن هذه ال 90% محذوف منها القدس الكبرى ومنطقة اللطرون الواقعة بين خطي الهدنة والبحر الميت وغور الأردن. وتمثل تلك المساحة المحذوفة 40% من مساحة الضفة. وبالتالي يصبح العرض هو 90% من أصل ال60% المتبقية من الضفة الغربية دون أي شبر من القدس!!. ليس الأمر عند ذلك وفقط، بل إن بعد اتفاق أوسلو 1993م قسمت "إسرائيل" الصفة إلى ثلاث مناطق هي أ، ب، ج، والمناطق التي سمحت للفلسطينيين بإدارتها دون سيادة وسلاح وجيش وأي مقومات للدولة هي المنقطة "أ" فقط، وتمثل أقل من 22% من الضفة وغزة. ويؤكد كلا من الدكتور سلمان أبو ستة، رئيس هيئة أرض فلسطين، والدكتور خليل تفكجي، مسؤول الإحصاء في الأرض المحتلة أن المساحة الحقيقية على الأرض المتاحة هي 12% فقط من الضفة الغربية!!. أما عن رقم ال 50 ألف مستوطن الذي يزعم نتنياهو أنه سيخليهم من الضفة فهم يمثلون 13% فقط من إجمالي المستوطنين. أي أن 87% سيبقون في قلب الضفة والقدس الشرقية بنسبة 47% في الضفة و40% في القدس

  في ذكر الاستيطان:
أعود إلى سيمفونية أوباما الخالدة في جامعة القاهرة التي تحدث بها عن وقف الاستيطان. والحقيقة أن بناء المستوطنات يتم بدعم مالي أمريكي من الدرجة الأولى. فالتبرعات تصل إلى "إسرائيل" من المنظمات الصهيونية في العالم من أجل استمرار الاستيطان، وتشير التقارير أنه يصل إلى "إسرائيل" مليار دولار سنويا 70% منهم من أمريكا – صاحبة السيمفونية الخادعة – بل تعفي الحكومة الأمريكية هذه الأموال من الضرائب بالمخالفة للقانون الأمريكي نفسه!!
وبعد انتهاء مدة التجميد "الجزئي" للاستيطان في 26 سبتمبر الجاري ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن حكومة نتنياهو تدرس التقدم بمقترح إلى الولايات المتحدة يقضي بإطلاق سراح جوناثان بولارد المدان بالتجسس لصالح إسرائيل، وهو محلل سابق للبيانات في CIA، ومحكومة عليه بالسجن مدى الحياة منذ عام 1987م مقابل تجميد الاستيطان ثلاثة أشهر أخرى فقط تجميدا "غير كامل"!!. حيث أعلن مسؤول إسرائيلي كبير – طلب عدم كشف اسمه – لوكالة الأنباء الفرنسية أنه حتى إذا توصلنا إلى قرار تجميد جديد للاستيطان فإنه لا يمكن أن يكون كاملا!!
وفي هذه الأثناء، وبعد انتهاء مدة التجميد السابقة ذكرت جريدة هآارتس "الإسرائيلية" بتاريخ(24/9/2010) أن المستوطنين سيقومون باستئناف البناء في الضفة الإثنين(27/9) فور انتهاء مدة التجميد. وأن حكومة نتنياهو قد استخرجت لهم من 2000 إلى 2200 ترخيص لبناء وحدات سكنية خفيفة لا يستغرق بناؤها أكثر من شهرين وتعتبر غير مكلفة، ويمكن العيش فيها لسنوات طويلة!!. أما في حقيقة الأمر فإن قرار تجميد الاستيطان السابق من 26 نوفمبر إلى 26 سبتمبر لم يكن حقيقيا، وإنما خدعة استخفت بها "إسرائيل" الإعلام وغطى عليها الجانب الفلسطيني – أبو مازن ورفاقه – لأسباب غير معلومة، أو ربما تتعلق "بالمساعدات الاقتصادية" إياها!!. حيث قال وزير الدولة لشئون الجدار والاستيطان في حكومة رام الله ماهر أبو غنيم لجريدة الشروق المصرية (25/9/2010) أن إسرائيل لم تجمد الاستيطان أصلا!!. موضحا أنه لم يكن هناك التزام كامل بالتجميد. إذ ارتكبت "إسرائيل" انتهاكات استيطانية في مناطق مختلفه من الضفة وحدد الوزير الكثير من المناطق الاستيطانية تم البناء فيها أثناء فترة التجميد المزعومة!!. ولا أعلم لماذا صمت الوزير كل ذلك الوقت ورئيسه – أبو مازن – يلتقي نتنياهو في واشنطن محتضننا يديه في ودد وحنان!. وفي نفس السياق صرح أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بالضفة الدكتور عبدالستار قاسم لجريدة الشروق المصرية (25/9/2010) أن السلطة (الفلسطينية) التابعة للسيد أبو مازن ليست ضد الاستيطان من أصله!!. موضحا أنها ضد الاستيطان إعلاميا فقط. فمنذ عام 1994م وهي تتفاوض بينما الاستيطان مستمر. وقال: "لا عباس ولا سلام فياض – رئيس وزرائه – ضد الاستيطان، فلهما مصالح مالية ستتضرر إذا اتخذا موقفا حازما في هذا الأمر". وقال أنه من يصدق أن موظفا في السلطة – المفروض أنها فلسطينية – يتقاضى راتبا شهريا 15 ألف يورو!!. ولم يوضح من "يدفع" ال 15 ألف يورو ومقابل ماذا؟! .. لكن كل لبيب بالإشارة يفهم!!

والآن سواء انسحب أبو مازن من المفاوضات أو استمر .. لم يعد يهم الأمر .. فقد ظهر من الحقائق ما يزيل الغمام، ويفض الاشتباك .. فلا السلطة الفلسطينية فلسطينية، ولا جامعة الدول العربية عربية .. وما الأنظمة العربية إلا وكلاء للبيت الأبيض .. وقضية فلسطين ليست مجموعة ملفات منفصلة كالاستيطان والأمن والحدود والمياه .. إنها قضية شعب وحق يأبى النسيان .. قضية احتلال لن يزول إلا بالمقاومة. والمقاومون هم أصحاب الشرعية "الوحيدة" للتحدث باسم فلسطين .. أما المقاولون المفاوضون فإن مصيرهم كمصير كل من فرط في أرضه وعرضه وكرامته .. إلى مزبلة التاريخ وبئس المصير!!

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2010

المجاهرون بالمشاركة!!

المجاهرون بالمشاركة!!



لفتت نظري كثيرا التبريرات - المضحكة في غالبها - التي أمتعنا بها المجاهرون بالمشاركة في المسرحية الهزلية السخيفة المسماة انتخابات مجلس الشعب 2010م. فالمجاهرون بالمشاركة هم جماعة لم تكتف بارتكاب ذلك الجرم الواضح والإثم الفاحش وهو المشاركة بصورة غير مباشرة في لعبة التوريث البغيضة عبر قبولهم بلعب دور الكومبارس فيها، لكنهم أيضا يجهرون - والعياذ بالله - بهذا الإثم ويبررونه بكلام ساذج دون حمرة خجل!. ولا أخفي عليكم امتناني العميق "لجماعة" المجاهرين بالمشاركة - وحلفائهم - لأنهم أولا مكنوني من إجراء فرزا جيدا ومجانيا لاكتشاف القوى الطامحة في التغيير الجذري، والأخرى التي تريد أن تبقى أبد الدهر تلعب في ملعب النظام راضية بفتات الصفقات الانتخابية التي يرميها لهم!. وثانيا لأنهم - جماعة المجاهرين - أصحاب الفضل في كتابة هذا المقال الذي لم يكن ليتم لولا مجهوداتهم - السخية - في محاولة إخفاء بطحة المشاركة من فوق رؤوسهم فكانت النتيجة أن "أخذتهم العزة بالإثم"، وكشفوا بطحات وبطحات!!

يقول المجاهرون بالمشاركة - وبعض كلام المجاهرين كوميديا سوداء - أنه يجب توافر إجماع عام على المقاطعة حتى تكون مجدية. فيقول المجاهرون الوفديون إن قاطعنا سيشارك الإخوان، ويقول المجاهرون الإخوان كيف نقاطع والوفد مشارك، وهلم جرة!!. ثم إن الحديث عن ضرورة إجماع الكل على المقاطعة أمر سخيف للغاية، فالإمام علي - كرم الله وجهه - يقول : "الحق يكون ثم يتبعه من يكون"، والأمانة الأخلاقية تحتم علينا أن نبني مواقفنا السياسية على أساس ما نعتقد أنه صحيح بغض النظر من معنا ومن ضدنا. وأتوجه بالسؤال إلى المجاهرين أصحاب نظرية الإجماع، هل إذا "أجمعت" قوى المعارضة على التطبيع مع "إسرائيل" ستقبلونه؟!

يقول المجاهرون بالمشاركة - وبعض كلام المجاهرين سخف - أن المقاطعة خدمة للحزب الوطني. وتأخذهم النصاحة والحداقة والكياسة ليشرحوا لك أنهم أصحاب فطنة لذلك شاركوا حتى لا يخدموا الحزب الوطني بمقاطعتهم!!. ولا أعلم هل يشاهد هؤلاء "العباقرة" أصحاب الفطنة والحكمة برامج "وإعلانات" التلفزيون الرسمي التي تحث المواطنين على "المشاركة" وتكاد تبوس أيديهم وأرجلهم أن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع حتى يتمكن التلفزيون من تصويرهم ليظهر النظام أمام العالم بمظهر ديمقراطي كاذب، ويتمكن من سبك الطبخة الفاسدة، وتبدو الصورة - زورا وبهتانا - كأن لدينا انتخابات!

يقول المجاهرون بالمشاركة - وبعض كلام المجاهرين سذاجة - أن المقاطعة ستجعل الحزب الوطني ينفرد بالبرلمان والساحة!. ونسى هؤلاء - أو تناسوا - أن الساحة فاسدة ولا يوجد لدينا برلمان من أصله. فهذا البرلمان أغلبيته ميكانيكية لصالح قرارات الحزب الوطني ولا يمثل الشعب من قريب أو من بعيد. هذا البرلمان وافق على تعديلات الانقلاب على الدستور في 2007م، ووافق على بناء الجدار الفولاذي مع الأشقاء في غزة، وأغلق باب المناقشة في تصدير الغاز "لإسرائيل"!، كل ذلك رغم وجود بعض المعارضة فيه. أليس الحزب الوطني منفردا فعلا؟! ، ووجود هؤلاء المحسوبين على المعارضة هو ما يبدي اللعبة شرعية وهي غير ذلك تماما!!

يقول المجاهرون بالمشاركة - وبعض كلام المجاهرين يرفع الضغط - أن المقاطعة هروب من المواجهة. والحقيقة هي العكس تماما، فالمشاركة هي هروب من دفع تكلفة الصدام مع النظام عبر الأطر غير التي يريدنا هو أن نكون فيها!. المقاطعة هي خطوة على طريق العصيان المدني وهو الطريق الأصعب - والصحيح - لمقاومة هذا النظام سلميا. فالمشاركة قبول باللعبة الرسمية وتنازل عن آمال الشعب في التغيير الجذري، ويصبح المشارك أقصى أمانيه أن يزعق بصوته تحت قبة البرلمان ثم تستضيفه برامج التوك شو ليقول نفس الكلام ويفعل النظام ما يريد. المقاطعة ليست هروب بل المشاركة هي هروب من الصدام، وأقول للمجاهرين بالمشاركة لا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون!

إننا لا ندعو إلى الجلوس في المنازل. ولا ندعو إلى الكسل، إننا ندعو إلى رفض شرعية هذا النظام وتعريته من كل أغطية الديمقراطية الكاذبة. إن الطريق الصحيح دائما وعر، وإن الحق دائما أصعب بكثير من الباطل، والفئة التي على الحق في الغالب قليلة العدد، لكن يكفي أن تكون مرتاح الضمير وأنت تقول ما تعتقد دون حسابات وصفقات انتخابية!

الثلاثاء، 14 سبتمبر 2010

فلسفة المقاطعة

فلسفة المقاطعة

أكتب هذه الكلمات بينما تتردد في ذهني أصداء "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين". فقد تحدثت في أكثر من مقال سابق عن ما يطلق عليه انتخابات في مصر، ولا أخفي عليكم أنني استهلكت كميات ليست بالقليلة من الحبر والأوراق لتوضيح وجهة نظرنا في هذا الأمر. ثم توقفت عن الكتابة قرابة الشهرين لأسباب شخصية وحين قررت العودة كان أول ما تبادر إلى ذهني أن أكتبه هو نفس الموضوع الذي توقفت عنده منذ شهرين تقريبا، وهو معضلة ما يطلق عليه انتخابات في مصر. أكتب هذه الكلمات لعلني أذكر فعلا، ولعلها تنفع المؤمنين!
أعتقد أن مجرد الحديث الآن بطريقة جدلية عن ما إذا كان الأفضل المشاركة في (انتخابات) مجلس الشعب القادمة أم مقاطعتها أمر ساذج للغاية. فتلك المناقشة تصبح في سخفها كأن تناقش أمورا بديهية جـُربت من قبل وأثبت العقل والمنطق فيها أمرا ثم أثبتته وأكدته التجارب العملية عدة مرات. فلا يصح لعاقل أن يفتح نقاشا حول إمكانية أن تضع يدك في النار!. فالعقل والمنطق يؤكدان أن النار ستحرق يدك، والتجارب العملية منذ اكتشاف النار في آواخر العصر الحجري أثبتت أنها تصيب الإنسان بحروق. فلا يمكن أن نبدأ أي مناقشة من الصفر وننسى كل ما فات وكأننا جئنا إلى هذا العالم بلا تاريخ نتعلم منه ودون أي معرفة إنسانية شكلت وجداننا. أما لو كان لدينا تلك المعارف والتجارب السابقة وننكرها ثم نبدأ من الصفر أو نقع في نفس الأخطاء بعد ما جاءنا من العلم والتجربة عند ذلك نصبح كبني إسرائيل حين وصفهم القرآن الكريم أنهم "كالحمار يحمل أسفارا"!!
من هذا المنطلق أتحدث مباشرة عن الضرورة الحتمية لمقاطعة انتخابات مجلس الشعب القادمة (2010) تصويتا وترشيحا. فالمقاطعة الآن لم تعد ترفا أو اختيارا بل ضرورة حتمية في ظل الوضع السياسي الراهن. نحن نمر بمرحلة حرجة ستحدد مستقبل النظام السياسي في مصر ربما لعقود قادمة. ولذلك يجب علينا توخي الحذر حتى لا نندم في المستقبل على ما نفعله اليوم من أخطاء هي في الأصل تكرار لأخطاء وقعنا فيها من قبل!!. والمقاطعة بالنسبة لي كفلسفة تتركز في ثلاث محاور أولها أمرا مبدئيا يتعلق برؤيتي للوضع الحالي للانتخابات دون إشراف قضائي ودولي، وفي ظل حالة الطوارئ (الأحكام العرفية)، ودون حرية تكوين الأحزاب وتجميد بعضها وعدم حريتها في الحركة بالشارع، وعدم تكافؤ الفرص إعلاميا بينها وبين الحزب الوطني المسيطر على أجهزة الإعلام الرسمية منذ عصر الاتحاد الاشتراكي!، وفي ظل عدم حرية إصدار الصحف وإغلاق بعضها (الشعب – آفاق عربية)، وفي ظل مطاردة الكتاب الصحفيين بقوانين الحبس في قضايا النشر (عبدالحليم قنديل – مجدي حسين – وائل الإبراشي – إبراهيم عيسى – عادل حمودة). ورؤيتي أن المشاركة في الانتخابات في ظل تلك الظروف السابقة تمثل خداعا للشعب عبر بث سراب ديمقراطي كاذب ووهم مخدر يتاجر في أوجاع الناس لتحقيق مكاسب برلمانية رخيصة!. علاوة على أن من يشارك في الانتخابات بالوضع الراهن سابق الذكر يقبل أن يلعب دور كومبارس في فيلم شديد الهبوط والإسفاف، وهو بذلك يقدم أكبر خدمة للنظام حتى يظهر بمظهر ديمقراطي زائف أمام العالم. والمشاركة في هذه الانتخابات تحديدا تمثل اعترافا بشرعية اللعبة التي يلعبها تيارات المال في الحزب الوطني من أجل تصعيد جمال مبارك إلى كرسي الحكم. فالمشاركة هنا تحتوي على سقطة تاريخية وخطيئة أخلاقية فهي لا تخدم فقط النظام في تجميل صورته بل يصبح المشارك – والعياذ بالله – يلعب دور شاهد الزور على شرعية عملية التوريث البغيضة!
والأمر الثاني في فلسفة المقاطعة هو المصلحة. غير صحيح أن المصلحة (البراجماتية) تحكم علينا أن نشارك في الانتخابات، فقواعد اللعبة دائما تفيد من وضعوها. وحسابات المكسب والخسارة ستكون بالتأكيد في صف الحزب الوطني. فلا أمل على الإطلاق في تغيير نتيجة الانتخابات "المحسومة مسبقا" وعلينا أن نرجع بالذاكرة لانتخابات الشورى 2007م والمحليات 2008م ثم الشورى 2010م وسنكتشف بأنفسنا أنه لا مكاسب على الإطلاق من اللعبة إلا لمن وافق أن يعقد صفقات رخيصة مع الحزب الوطني، فلماذا المشاركة إذن؟!
والأمر الثالث يتعلق بالمنهج الذي أتخذه في تحليل الوضع السياسي القائم. فالنظام السياسي لا يحمل أي شرعية شعبية ومعادي لكل فئات الشعب من أول أساتذة الجامعات والأطباء وحتى سائقي سيارات الأجرة. إلى جانب وقوف هذا النظام ضد رغبات الشعب المصري المتعاطف بطبيعته مع الأشقاء في فلسطين والعراق، واتخاذ هذا النظام سياسة القرب من "إسرائيل" ومعادة كل ما هو فلسطيني بل وتفضيل "إسرائيل" على مصر أحيانا!. فهذا النظام يصدر الغاز "لإسرائيل" بسعر أقل من سعر تكلفته ليدعم فاتورة الكهرباء هناك بينما تحدث أزمة انقاطع الكهرباء في مصر بسبب نقص إمدادات الغاز!. هذا النظام هو من يحاصر غزة لمصلحة "إسرائيل"، وهو من سمح بمرور الطائرات والبوارج الحربية الأمريكية من المجال الجوي المصري والمياه الإقليمية أثناء حرب غزو العراق عام 2003م. وتلك المواقف التي اتخذها النظام بالتحالف مع أمريكا و"إسرائيل" وبالبعد عن الامتداد الطبيعي لمصر عربيا وإسلاميا وإفريقيا جعلت منه نظاما معاديا لرغبات وطموحات الشعب المصري وتحول إلى قاتل للمصريين كما حدث مع الشاب خالد سعيد ومن قبله ضحايا العبارة وصخرة الدويقة وحريق قطار الصعيد. وتلك الممارسات لا تأتي إلا من قبل نظام احتلال غير شرعي يجب مقاومته سلميا بالعصيان المدني ولا شرعية لأي انتخابات يجريها أبدا.
إن مقاطعة الانتخابات في الوضع الراهن أمرا بديهيا لا يقبل الشك. والمشاركة فيها في ظل نظام غير شرعي علاوة على أنه يمثل خطيئة تاريخية وسقطة أخلاقية يمثل أيضا ارتدادا بالحركة الوطنية للخلف بعد أن وصلت إلى اتجاه التغيير الجذري عام 2005م. إن فلسفة المقاطعة ليست تبريرا للكسل، أو اختيارا للطريق الأسهل بل هي العكس تماما هي المواجهة مع النظام بالعصيان المدني لا بعقد الصفقات من أجل كرسي البرلمان!